إذا أردنا أن نفكر في مصائر الثورات فعلينا أن نخطو الخطوة المنطقية، والإجابة على السؤال: هل يمكن التنبؤ بالثورات؟ وما الذي يدفع الجيوش للتصرف بهذه الطريقة أو تلك؟ ما هي العوامل التي تؤثر في ردة فعل الجيش؟ وهل مِنَ الممكن - إذا ما وضعنا في اعتبارنا السياقات المختلفة - أنْ نتنبأ برد فعل الجيش على الثورة؟ وهل يمكن إسقاط تلك العوامل على الثورتين الإيرانية والمصرية؟
أكَّدَت الثورات التي اجتاحت الشرق الأوسط أنه لا يمكن توقُّع حدوث الثورات؛ فقد نَكُون قادرين على القول إنَّ هذه المنطقة أو تلك "حُبْلي بثورة "، لكننا نَظَل بلا أدنى فكرة عن توقيت اندلاع الثورة، هذا إذا ما كُنَّا متيقنين مِنْ اندلاعها أصلًا في الواقع! فمِنَ المدهش رصْد كَيْفَ أنَّ الأنظمة المستبدة قادرة على الاستمرار لعقود مِنَ الزمان حتى يأتي حدث - قد يبدو تافهًا في ظاهره - ليُفَجِّر ثورة عارمة قد تمتد حتى إلى مناطق جغرافية متجاوزة حدود الدول.
وعلى الرغم مِنْ أنًّنَا قد نستمر في الاختلاف حول أسباب إثارة غضب الجماهير ودفعهم نحو الثورة، إلا أنَّنَا ربما نتفق على شيء واحد في غاية الأهمية، وهو أنَّه بمجرد أنْ تبدأ الثورة فإنَّها نادرًا ما تنجح دون دعم أجهزة الدولة القمعية، لا سيّما الجيش النظامي، ونحن لا نقول أنَّ رد فعل الجيش تجاه ثورة ما هو المؤشر الوحيد على نجاحها في تغيير النظام القائم، لكن بدلا من ذلك نزعم أَنَّ تصرف الجيش حيال الثورة هو المؤشر الأهم الذي يساعدنا على توقع مَآلها، وبالتأكيد فإنَّ دعم الجيش شرط ضروري إنْ لم يَكُنْ كافيًا لنجاح الثورة.
هناك عوامل ومتغيرات توفر للجيش المعلومات التي يحتاجها لاتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع ثورة ما بترتيب تنازلي بحسب أهميتها؛ فالعوامل العسكرية هي الأكثر أهمية في العادة، تليها العوامل المتعلقة بالدولة، ثُمَّ العوامل الاجتماعية والعوامل الخارجية في النهاية، وأنا أَذْكُرها هنا مرتبة حسب الأهمية، والعوامل العسكرية هي: التماسك الداخلي للقوات المسلحة، والجنود المحترفون في مقابل المُجَنَّدين إلزاميًا، ومعاملة النظام للجيش، ورؤية قادة الجيش لشرعية النظام، وحجم وتكوين وطبيعة المظاهرات، وأخيرًا احتمالات التدخل الأجنبي.
فالسِّمَة الأكثر أهمية بالنسبة إلينا لكي نستطيع التنبؤ باستجابة القوات المسلحة لثورة ما هو: تماسكها الداخلي؛ فمِنْ شأن جيش متماسك أَنْ يتصرف بشكل مُوَحَّد - إمَّا تجاه دعم النظام أو دعم الثورة - ، ومِنْ عوامل وجود التماسك مِنْ عدمه: التباينات العِرْقِية والدينية والقبلية والمناطقية، كذلك الانقسامات الجيليّة؛ فالخلافات بين الصغار - أو الشباب - من جهة وكبار السن من جهة أخرى في معظم البيئات تقابلها الانقسامات بين كبار الضباط وصغارهم؛ بل إنَّ الأمر في القوات المسلحة يُصْبِح أكثر حِدَّة، لاسيما مع تَشَكُّلها مِنْ تنظيم هرمي حديدي تعتمد الترقية فيه على الأقدمية، وعلى شاكلتها كذلك: الانقسامات بين وِحْدَة النخبة وبقية وحدات الجيش؛ فإنَّ العديد من الأنظمة الاستبدادية تقوم بتأسيس وحدات النخبة، أو حتى وحدات إنشاء أجهزة كاملة خاصة للإبقاء على سيطرة النظام على الفروع التقليدية للقوات المسلحة، وقد يكون الانقسام فيما بينهم على أساس التوجهات الاجتماعية والسياسية داخل النخبة العسكرية الواحدة.
يأتي بعد قوة التماسك الداخلي فكرة ما إذا كان الجيش مكونًا من الجنود المتطوِّعين أو من المُجَنَّدين إلزاميًّا، أو إذا ما كان مزيجا بين الاثنين، وفي الحالة الأخيرة يكون السؤال الأهم هو سؤال النسبة بين المجندين والمتطوعين؛ فإنَّ جيشا من المتطوعين هو قوة من الأفراد الذين اختاروا تبنِّي روح الجيش والانخراط في بيئته الهرمية، والانضباط والحياة المنظمة، والقيم المحافظة بشكل عام، أمَّا الجيش المُشَكَّل مِنَ المجندين إجباريا - بفرض أنَّ هذا الإجبار يتم تطبيقه بشكل عادل - فمن المفترض أنْ يُمَثِّل شريحة واسعة مِنْ المجتمع تضم هؤلاء المتحمِّسين لخوض تجربة الحياة العسكرية وغيرهم مِنْ الرافضين لها؛ ولذلك سيكون المُجَنَّدُون أكثر ميلًا للتعاطف مع حركة ثورية واسعة النطاق؛ في حين سيتبنَّي المتطوعون - على الأرجح - الموقف الذي يقرر قادتهم في الجيش تبنيه.
كذلك من العوامل: رؤية قادة الجيش لشرعية النظام؛ فليس مِنَ المستغرب أَنْ يميل الجنرالات لمساندة النظام الذي يعتقدون أنَّ لديه حاضنة شعبية كبيرة - حتى إذا عارضته مجموعة ثورية صغيرة - أكثر من استعدادهم لدعم نظام ضعيف أو لا يتمتع بالشعبية اللازمة؛ فالثورات غالبًا ما تندلع نتيجة لفقدان النظام السياسي شرعيته أمام مواطنيه، وعلى الرغم من ذلك؛ فمن الصعب تحديد هذا المفهوم أو تفعيله في السياق التحليلي، كما يجب أَنْ يُؤْخذ في الاعتبار: سلوك الجيش تجاه المجتمع في السابق؛ فليست المؤسسة العسكرية جزءًا مِنَ الدولة فحسب؛ لكنها تنتمي أيضًا إلى المجتمع الذي مِنْه يأتي أفرادها، ولا يَخْفَي أَنَّ هناك عوامل تتعلق بالدولة تؤثر في رد فعل الجيش تجاه أي ثورة مثل: معاملة النظام للجيش، والعناية برفاهيته.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان